الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِصَلاَةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا إلاَّ صَلاَةَ الصُّبْحِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ لَهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي بِمِقْدَارِ مَا يُتِمُّ الْمُؤَذِّنُ أَذَانَهُ وَيَنْزِلُ مِنْ الْمَنَارِ أَوْ مِنْ الْعُلُوِّ وَيَصْعَدُ مُؤَذِّنٌ آخَرُ وَيَطْلُعُ الْفَجْرُ قَبْلَ ابْتِدَاءِ الثَّانِي فِي الأَذَانِ، وَلاَ بُدَّ لَهَا مِنْ أَذَانٍ ثَانٍ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَلاَ يُجْزِئُ الأَذَانُ الَّذِي كَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ؛ لاَِنَّهُ أَذَانُ سُحُورٍ، لاَ أَذَانٌ لِلصَّلاَةِ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ لَهَا قَبْلَ الْمِقْدَارِ الَّذِي ذَكَرْنَا، فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، قُلْتُ لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، الرَّجُلُ يُؤَذِّنُ قَبْلَ الْفَجْرِ يُوقِظُ النَّاسَ فَغَضِبَ، وَقَالَ عُلُوجٌ فِرَاغٌ لَوْ أَدْرَكَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لاََوْجَعَ جَنُوبَهُمْ مَنْ أَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَإِنَّمَا صَلَّى أَهْلُ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ بِإِقَامَةٍ لاَ أَذَانَ فِيهِ. وبه إلى مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ فُضَيْلٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُؤَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: سَمِعَ عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ مُؤَذِّنًا بِلَيْلٍ فَقَالَ: لَقَدْ خَالَفَ هَذَا سُنَّةً مِنْ سُنَّةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ نَامَ عَلَى فِرَاشِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَمِنْ طَرِيقِ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانُوا إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِلَيْلِ قَالُوا لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ، وَأَعِدْ أَذَانَك قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ حِكَايَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،، وَأَكَابِرِ التَّابِعِينَ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد: حدثنا أَيُّوبُ بْنُ مَنْصُورٍ، حدثنا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَادٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ مُؤَذِّنٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُقَالُ لَهُ: مَسْرُوحٌ، أَذَّنَ قَبْلَ الصُّبْحِ فَأَمَرَهُ عُمَرُ بِأَنْ يُنَادِيَ: أَلاَ إنَّ الْعَبْدَ نَامَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ قُلْت لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: مَتَى تُوتِرِينَ قَالَتْ: بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، وَمَا كَانُوا يُؤَذِّنُونَ حَتَّى يُصْبِحُوا. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْقَطَّانِ: حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنِي نَافِعٍ قَالَ: مَا كَانُوا يُؤَذِّنُونَ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَهَذِهِ أَقْوَالُ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَنَافِعٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُمْ أَوْلَى بِالاِتِّبَاعِ مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ فَوَجَدَ عَمَلاً لاَ يُدْرَى أَصْلُهُ، وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ دَعْوَى نَقْلِ التَّوَاتُرِ عَنْ مِثْلِهِ أَصْلاً؛ لاَِنَّ الرِّوَايَاتِ عَنْ هَؤُلاَءِ الثِّقَاتِ مُبْطِلَةٌ لِهَذِهِ الدَّعْوَى الَّتِي لاَ تَصِحُّ، وَلاَ يَعْجِزُ عَنْهَا أَحَدٌ. وَاَلَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وقال مالك وَالأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ: يُؤَذَّنُ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ بِلَيْلٍ، وَلاَ يُؤَذَّنُ لِغَيْرِهَا إلاَّ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ. [ قَالَ عَلِيٌّ: احْتَجَّ هَؤُلاَءِ بِالأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ مِنْ أَنَّ بِلاَلاً كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ قال علي: وهذا حَقٌّ، إلاَّ أَنَّهُ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَذَانَ الصَّلاَةِ، وَلاَ قَبْلَ الْفَجْرِ بِلَيْلٍ طَوِيلٍ، وَكَانَ يُؤَذِّنُ آخَرُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ يُنَادِي بِلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ، وَيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ. حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، حدثنا حَفْصٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ [ الصِّدِّيقِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا أَذَّنَ بِلاَلٌ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ قُلْتُ: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلاَّ أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَصْعَدَ هَذَا. وَ حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ بِلاَلاً أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْجِعَ فَيُنَادِيَ: أَلاَ إنَّ الْعَبْدَ نَامَ، أَلاَ إنَّ الْعَبْدَ نَامَ، فَرَجَعَ فَنَادَى: أَلاَ إنَّ الْعَبْدَ نَامَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا لَمْ يَكُنْ يُغِيرُ بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ. قَالَ عَلِيٌّ: فَصَحَّ أَنَّ الأَذَانَ لِلصَّلاَةِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْفَجْرِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حَفْصَةَ، وَعَائِشَةَ: أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ، فَصَارَ نَقْلَ تَوَاتُرٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ. وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، وَسَلَمَةَ الْجَرْمِيِّ مُسْنَدًا أَيْضًا، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ الآثَارِ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا، وَلاَ غَيْرِهَا أَنَّهُ عليه السلام اكْتَفَى بِذَلِكَ الأَذَانِ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ؛ بَلْ فِي كُلِّهَا، وَفِي غَيْرِهَا أَنَّهُ كَانَ هُنَالِكَ أَذَانٌ آخَرُ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَمِنْ كِبَارِهِمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْقِيَاسَ أَوْلَى مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ. وَهَا هُنَا تَرَكُوا قِيَاسَ الأَذَانِ لِلْفَجْرِ عَلَى الأَذَانِ لِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَلَمْ يَتَعَلَّقُوا بِخَبَرٍ أَصْلاً لاَ صَحِيحٍ، وَلاَ سَقِيمٍ فِي أَنَّ ذَلِكَ الأَذَانَ يُجْزِئُ عَنْ آخِرَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَيُقَالُ لِمَنْ رَأَى أَنَّ الأَذَانَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ يُجْزِئُ قَبْلَ الْفَجْرِ: أَخْبِرْنَا عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ الَّذِي يُجْزِئُ فِيهِ الأَذَانُ لَهَا مِنْ اللَّيْلِ فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا حَدًّا فِي ذَلِكَ لَزِمَهُمْ أَنْ يُجْزِئَ إثْرَ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لاَِنَّهُ لَيْلٌ بِلاَ شَكٍّ، وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا فَإِنْ قَالُوا: أَوَّلُ الأَوْقَاتِ الَّتِي يُجْزِئُ فِيهَا الأَذَانُ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ مِنْ اللَّيْلِ هُوَ إثْرَ نِصْفِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ أَوْ قَالُوا: [ هُوَ فِي أَوَّلِ الثُّلُثِ الآخِرِ مِنْ اللَّيْلِ. قلنا لَهُمْ: هَذِهِ دَعْوَى مُفْتَقِرَةٌ إلَى دَلِيلٍ، وَمِثْلُ هَذَا لاَ يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي دِينِهِ وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ وَقْتَ صَلاَةِ الْعَتَمَةِ يَمْتَدُّ إلَى وَقْتِ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَيَرَوْنَ لِلْحَائِضِ تَطْهُرُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَنْ تُصَلِّيَ الْعِشَاءَ الآخِرَةَ وَالْمَغْرِبَ، فَقَدْ أَجَازُوا الأَذَانَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ فِي وَقْتِ صَلاَةِ الْعَتَمَةِ، فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنْ يَخُصُّوا بِذَلِكَ [ بَعْضَ وَقْتٍ [ صَلاَةِ الْعَتَمَةِ دُونَ جَمِيعِ وَقْتِهَا نَعَمْ وَوَقْتُ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ أَيْضًا. فَإِنْ قَالُوا: لاَ نُجِيزُ ذَلِكَ إلاَّ فِي آخِرِ اللَّيْلِ قِيلَ لَهُمْ: وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا وَلَيْسَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ الأَخْبَارِ إلاَّ الْخَبَرَ الَّذِي أَخَذْنَا بِهِ، وَهُوَ الَّذِي فِيهِ تَحْدِيدُ وَقْتِ ذَلِكَ الأَذَانِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَلاَ تُجْزِئُ صَلاَةُ فَرِيضَةٍ فِي جَمَاعَةٍ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا إلاَّ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي وَقْتِهَا، أَوْ كَانَتْ مَقْضِيَّةً لِنَوْمٍ عَنْهَا أَوْ لِنِسْيَانٍ، مَتَى قُضِيَتْ، السَّفَرُ وَالْحَضَرُ سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ، فَإِنْ صَلَّى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِلاَ أَذَانٍ، وَلاَ إقَامَةٍ فَلاَ صَلاَةَ لَهُمْ، حَاشَا الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ بِمُزْدَلِفَةَ؛ فَإِنَّهُمَا يُجْمَعَانِ بِأَذَانٍ لِكُلِّ صَلاَةٍ، وَإِقَامَةٍ لِلصَّلاَتَيْنِ مَعًا لِلأَثَرِ فِي ذَلِكَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، حدثنا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، حدثنا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لَهُمْ: ارْجِعُوا إلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ، وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ أَنَّ عَمْرَو بْنَ سَلَمَةَ الْجَرْمِيَّ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ، وَكَانَ وَافِدَ قَوْمِهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: صَلُّوا صَلاَةَ كَذَا [ فِي حِينِ كَذَا وَصَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا. قَالَ عَلِيٌّ: فَصَحَّ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ وُجُوبُ الأَذَانِ، وَلاَ بُدَّ، وَأَنَّهُ لاَ يَكُونُ إلاَّ بَعْدَ حُضُورِ الصَّلاَةِ فِي وَقْتِهَا، عُمُومًا لِكُلِّ صَلاَةٍ، وَدَخَلَتْ الإِقَامَةُ فِي هَذَا الأَمْرِ. كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع، حدثنا ابْنُ السُّلَيْمِ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حدثنا ابْنُ عُلَيَّةَ هُوَ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ لِمَنْ شَاءَ.، وَأَيْضًا فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ بِلاَلاً بِأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ هُوَ الْفِرْيَابِيُّ، حدثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: أَتَى رَجُلاَنِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدَانِ السَّفَرَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا خَرَجْتُمَا فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا. فإن قيل: إنَّمَا هَذَا فِي السَّفَرِ قلنا: لاَ، بَلْ فِي الْخُرُوجِ، وَهَذَا يَقْتَضِي الْخُرُوجَ مِنْ عِنْدِهِ عليه السلام لِشَأْنِهِمَا، وَهَذَا كُلُّهُ عُمُومٌ لِكُلِّ صَلاَةِ فَرْضٍ مَقْضِيَّةٍ كَمَا ذَكَرْنَا أَوْ غَيْرَ مَقْضِيَّةٍ. وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا أَيْضًا بَيَانٌ يَرْفَعُ التَّمْوِيهَ وَالإِيهَامَ كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حدثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: شَغَلَنَا الْمُشْرِكُونَ عَنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ حَتَّى غَرُبَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، قَالَ: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فِي الْقِتَالِ [ مَا نَزَلَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: قال علي: وهذا الخبر زَائِدٌ عَلَى كُلِّ خَبَرٍ وَرَدَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَالأَخْذُ بِالزِّيَادَةِ وَاجِبٌ. وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْت لِعَطَاءٍ: صَلَّيْتُ لِنَفْسِي الصَّلاَةَ فَنَسِيتُ أَنْ أُقِيمَ لَهَا قَالَ: عُدْ لِصَلاَتِك أَقِمْ لَهَا ثُمَّ أَعِدْ، وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى: حدثنا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إذَا نَسِيتَ الإِقَامَةَ فِي السَّفَرِ فَأَعِدْ الصَّلاَةَ. وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ فَرْضًا: أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُ، وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ فَرْضًا حُجَّةً أَصْلاً " وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلاَّ اسْتِحْلاَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِمَاءَ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ عِنْدَهُمْ أَذَانًا، وَأَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ: لَكَفَى فِي وُجُوبِ فَرْضِ ذَلِكَ، وَهُوَ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ مِنْ جَمِيعِ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، بِلاَ شَكٍّ؛ فَهَذَا هُوَ الإِجْمَاعُ الْمَقْطُوعُ عَلَى صِحَّتِهِ لاَ الدَّعَاوَى الْكَاذِبَةُ الَّتِي لاَ يَعْجِزُ أَحَدٌ عَنْ ادِّعَائِهَا، إذَا لَمْ يَرْدَعْهُ عَنْ ذَلِكَ وَرَعٌ أَوْ حَيَاءٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَلاَ يَلْزَمُ الْمُنْفَرِدَ أَذَانٌ، وَلاَ إقَامَةٌ فَإِنْ أَذَّنَ، وَأَقَامَ فَحَسَنٌ؛ [ لأََنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ بِإِيجَابِ الأَذَانِ إِلاَّ عَلَى الاِثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَإِنَّمَا قلنا: إنْ فَعَلَ فَحَسَنٌ ]، لأََنَّهُ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَقَدْ يَدْعُو إلَى الصَّلاَةِ مَنْ لَعَلَّهُ يَسْمَعُهُ مِنْ مُؤْمِنِي الْجِنِّ؛ فَلاَ يَجُوزُ إِلاَّ فِي الْوَقْتِ.
وَلاَ يَلْزَمُ النِّسَاءَ فَرْضًا حُضُورُ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي جَمَاعَةٍ، وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تَؤُمَّ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ، وَلاَ الرِّجَالَ، وَهَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّصَّ قَدْ جَاءَ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَقْطَعُ صَلاَةَ الرَّجُلِ إذَا فَاتَتْ أَمَامَهُ. عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، مَعَ قَوْلِهِ عليه السلام الإِمَامُ جُنَّةٌ وَحُكْمُهُ عليه السلام بِأَنْ تَكُونَ وَرَاءَ الرَّجُلِ، وَلاَ بُدَّ فِي الصَّلاَةِ، وَأَنَّ الإِمَامَ يَقِفُ أَمَامَ الْمَأْمُومِينَ لاَ بُدَّ أَوْ مَعَ الْمَأْمُومِ فِي صَفٍّ وَاحِدٍ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاضِعِهِ وَمِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ يَثْبُتُ بُطْلاَنُ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ، وَلِلرِّجَالِ يَقِينًا.
فَإِنْ حَضَرَتْ الْمَرْأَةُ الصَّلاَةَ مَعَ الرِّجَالِ فَحَسَنٌ؛ لِمَا قَدْ صَحَّ مِنْ أَنَّهُنَّ كُنَّ يَشْهَدْنَ الصَّلاَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَالِمٌ بِذَلِكَ.
فَإِنْ صَلَّيْنَ جَمَاعَةً، وَأَمَّتْهُنَّ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ فَحَسَنٌ؛ لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ يَمْنَعُهُنَّ مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ يَقْطَعُ بَعْضُهُنَّ صَلاَةَ بَعْضٍ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا. [ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَيْسَرَةَ بْنِ حَبِيبٍ النَّهْدِيِّ هُوَ أَبُو خَازِمٍ عَنْ رَيْطَةَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَمَّتْهُنَّ فِي صَلاَةِ الْفَرِيضَةِ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْقَطَّانِ عَنْ زِيَادِ بْنِ لاَحِقٍ عَنْ تَمِيمَةَ بِنْتِ سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا أَمَّتْ نِسَاءً فِي الْفَرِيضَةِ فِي الْمَغْرِبِ، وَقَامَتْ وَسَطَهُنَّ، وَجَهَرَتْ بِالْقِرَاءَةِ وَعَنْ [ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمَّارِ الدُّهْنِيِّ عَنْ حُجَيْرَةَ بِنْتِ حُصَيْنٍ قَالَتْ: أَمَّتْنَا أُمُّ سَلَمَةَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فِي صَلاَةِ الْعَصْرِ، وَقَامَتْ بَيْنَنَا وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْقَطَّانِ عَنْ سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أُمِّ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ وَهِيَ خَيْرَةُ، هُوَ اسْمُهَا، ثِقَةٌ مَشْهُورَةٌ حَدَّثَتْهُمْ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَؤُمُّهُنَّ فِي رَمَضَانَ، وَتَقُومُ مَعَهُنَّ فِي الصَّفِّ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَؤُمُّ النِّسَاءَ [ فِي التَّطَوُّعِ وَتَقُومُ وَسْطَهُنَّ فِي الصَّفِّ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ النِّسَاءَ فِي التَّطَوُّعِ تَقُومُ وَسْطَهُنَّ وَرُوِيَ عن ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ جَارِيَةً لَهُ تَؤُمُّ [ نِسَاءَهُ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ. وَمِنْ التَّابِعِينَ: [ رُوِّينَا عن ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَعَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ، وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ الرُّبَيِّعِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالُوا كُلُّهُمْ بِإِجَازَةِ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ لِلنِّسَاءِ وَتَقُومُ وَسَطَهُنَّ. قَالَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ: فِي الْفَرِيضَةِ وَالتَّطَوُّعِ، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ غَيْرُهُمْ. وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ وَالأَوْزَاعِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَدَاوُد، وَأَصْحَابِهِمْ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: لاَ تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ النِّسَاءَ فِي فَرْضٍ، وَلاَ نَافِلَةٍ، وَهَذَا قَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَخِلاَفٌ لِطَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْلَمُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، مُخَالِفٌ؛ وَهُمْ يُشَيِّعُونَ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، بَلْ صَلاَةُ الْمَرْأَةِ بِالنِّسَاءِ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ صَلاَةَ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً. فإن قيل: فَهَلاَّ جَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَرْضًا، بِقَوْلِهِ عليه السلام: إذَا حَضَرَتْ الصَّلاَةُ فَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ قلنا لَوْ كَانَ هَذَا لَكَانَ جَائِزًا أَنْ تَؤُمَّنَا، وَهَذَا مُحَالٌ؛ وَهَذَا خِطَابٌ مِنْهُ عليه السلام لاَ يَتَوَجَّهُ أَلْبَتَّةَ إلَى نِسَاءٍ لاَ رَجُلَ مَعَهُنَّ، لاَِنَّهُ لَحْنٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ مُتَيَقَّنٌ، وَمِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ عليه السلام يَلْحَنُ.
وَلاَ أَذَانَ عَلَى النِّسَاءِ، وَلاَ إقَامَةَ؛ فَإِنْ أَذَّنَّ، وَأَقَمْنَ فَحَسَنٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالأَذَانِ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاَةَ فِي جَمَاعَةٍ، بِقَوْلِهِ عليه السلام: فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ وَلَيْسَ النِّسَاءُ مِمَّنْ أُمِرْنَ بِذَلِكَ، فَإِذَا هُوَ قَدْ صَحَّ فَالأَذَانُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالإِقَامَةُ كَذَلِكَ؛ فَهُمَا فِي وَقْتِهِمَا فِعْلٌ حَسَنٌ. وَرُوِّينَا عن ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: تُقِيمُ الْمَرْأَةُ لِنَفْسِهَا، وَقَالَ طَاوُوس: كَانَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تُؤَذِّنُ وَتُقِيمُ.
وَلاَ يَحِلُّ لِوَلِيِّ الْمَرْأَةِ، وَلاَ لِسَيِّدِ الأَمَةِ مَنْعُهُمَا مِنْ حُضُورِ الصَّلاَةِ فِي جَمَاعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، إذَا عَرَفَ أَنَّهُنَّ يُرِدْنَ الصَّلاَةَ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَخْرُجْنَ مُتَطَيِّبَاتٍ، وَلاَ فِي ثِيَابٍ حِسَانٍ؛ فَإِنْ فَعَلَتْ فَلْيَمْنَعْهَا، وَصَلاَتُهُنَّ فِي الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهِنَّ مُنْفَرِدَاتٍ.: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حدثنا أَبِي، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ قَالاَ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ. وبه إلى مُسْلِمٍ: حدثنا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا يُونُسُ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ عن ابْنِ شِهَابٍ أَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لاَ تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ إذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إلَيْهَا فَقَالَ لَهُ بِلاَلٌ ابْنُهُ؛ وَاَللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْته سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ، قَالَ: أُخْبِرُك عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ: وَاَللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ. وبه إلى مُسْلِمٍ: حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تَمْنَعُوا النِّسَاءَ مِنْ الْخُرُوجِ بِاللَّيْلِ إلَى الْمَسَاجِدِ. حدثنا حمام، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا حَامِدٌ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيُّ، حدثنا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَلاَ يَخْرُجْنَ إلاَّ وَهُنَّ تَفِلاَتٌ. قَالَ عَلِيٌّ: وَالتَّفِلَةُ السَّيِّئَةُ الرِّيحِ وَالْبِزَّةُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ، حدثنا بُكَيْر بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا شَهِدَتْ إحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلاَ تَمَسَّ طِيبًا. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّفَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ. حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي دُلَيْمٍ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ الْمُتَقَدِّمُ، وَشَرُّهَا الْمُؤَخَّرُ، وَشَرُّ صُفُوفِ النِّسَاءِ الْمُتَقَدِّمُ، وَخَيْرُهَا الْمُؤَخَّرُ؛ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ إذَا سَجَدَ الرِّجَالُ فَاغْضُضْنَ أَبْصَارَكُنَّ لاَ تَرَيْنَ عَوْرَاتِ الرِّجَالِ مِنْ ضِيقِ الآُزُرِ. حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو هُوَ أَبُو مَعْمَرٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ هُوَ التَّنُّورِيُّ، حدثنا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ. وبه إلى أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حدثنا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرٍ، هُوَ ابْنُ الأَشَجِّ عَنْ نَافِعٍ قَالَ إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَنْهَى أَنْ يَدْخُلَ مِنْ بَابِ النِّسَاءِ قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ كَانَتْ صَلاَتُهُنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ أَفْضَلُ لَمَا تَرَكَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَنَّيْنَ بِتَعَبٍ لاَ يُجْدِي عَلَيْهِنَّ زِيَادَةُ فَضْلٍ أَوْ يَحُطُّهُنَّ مِنْ الْفَضْلِ، وَهَذَا لَيْسَ نُصْحًا، وَهُوَ عليه السلام يَقُولُ: الدِّينُ النَّصِيحَةُ وَحَاشَا لَهُ عليه السلام مِنْ ذَلِكَ؛ بَلْ هُوَ أَنْصَحُ الْخَلْقِ لاُِمَّتِهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمَا افْتَرَضَ عليه السلام أَنْ لاَ يَمْنَعَهُنَّ؛ وَلَمَا أَمَرَهُنَّ بِالْخُرُوجِ تَفِلاَتٍ. وَأَقَلُّ هَذَا أَنْ يَكُونَ أَمْرَ نَدْبٍ وَحَضٍّ وقال أبو حنيفة وَمَالِكٍ: صَلاَتُهُنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ أَفْضَلُ، وَكَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ خُرُوجَهُنَّ إلَى الْمَسَاجِدِ لِصَلاَةِ الْجَمَاعَةِ، وَلِلْجُمُعَةِ، وَفِي الْعِيدَيْنِ، وَرَخَّصَ لِلْعَجُوزِ خَاصَّةً فِي الْعِشَاءِ الآخِرَةِ، وَالْفَجْرِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَكْرَهْ خُرُوجَهُنَّ فِي الْعِيدَيْنِ: وقال مالك: لاَ نَمْنَعُهُنَّ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْمَسَاجِدِ، وَأَبَاحَ لِلْمُتَجَالَّةِ شُهُودَ الْعِيدَيْنِ، وَالاِسْتِسْقَاءَ. وَقَالَ: تَخْرُجُ الشَّابَّةُ إلَى الْمَسْجِدِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ. قَالَ: وَالْمُتَجَالَّةُ تَخْرُجُ إلَى الْمَسْجِدِ، وَلاَ تُكْثِرُ التَّرَدُّدَ: قَالَ عَلِيٌّ: وَشَغَبَ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ بِرِوَايَةٍ رُوِّينَاهَا عَنْ سُفْيَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ: لَوْ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ بَعْدَهُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنَى إسْرَائِيلَ. وَبِحَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ الْمُنْذِرِ الأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمَّتِهِ أَوْ جَدَّتِهِ أُمِّ حُمَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إنَّ صَلاَتَكِ فِي بَيْتِكِ أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِكِ مَعِي، وَبِحَدِيثٍ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ الْغُدَانِيِّ أَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاََنْ تُصَلِّيَ الْمَرْأَةُ فِي مَخْدَعِهَا أَعْظَمُ لاَِجْرِهَا مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ فِي بَيْتِهَا، وَأَنْ تُصَلِّيَ فِي بَيْتِهَا أَعْظَمُ لاَِجْرِهَا مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ فِي دَارِهَا، وَأَنْ تُصَلِّيَ فِي دَارِهَا أَعْظَمُ لاَِجْرِهَا مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ قَوْمِهَا، وَأَنْ تُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ قَوْمِهَا أَعْظَمُ لاَِجْرِهَا مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، وَأَنْ تُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ خَيْرٌ لَهَا مِنْ أَنْ تَخْرُجَ إلَى الصَّلاَةِ يَوْمَ الْعِيدِ. وقال بعضهم: لَعَلَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخُرُوجِهِنَّ يَوْمَ الْعِيدِ إنَّمَا كَانَ إرْهَابًا لِلْعَدُوِّ لِقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ لِيَكْثُرُوا فِي عَيْنِ مَنْ يَرَاهُمْ. قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ عَظِيمَةٌ؛ لاَِنَّهَا كِذْبَةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلٌ بِلاَ عِلْمٍ، وَهُوَ عليه السلام قَدْ بَيَّنَ أَنَّ أَمْرَهُ بِخُرُوجِهِنَّ لِيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ، وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى؛ فَأُفٍّ لِمَنْ كَذَّبَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَافْتَرَى كِذْبَةً بِرَأْيِهِ ثُمَّ إنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَعَ كَوْنِهِ كَذِبًا بَحْتًا فَهُوَ بَارِدٌ سَخِيفٌ جِدًّا. لاَِنَّهُ عليه السلام لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَةِ عَسْكَرٍ فَيُرْهِبُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَدُوٌّ إلاَّ الْمُنَافِقُونَ وَيَهُودُ الْمَدِينَةِ، الَّذِينَ يَدْرُونَ أَنَّهُنَّ نِسَاءٌ، فَاعْجَبُوا لِهَذَا التَّخْلِيطِ. قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا مَا حَدَّثَتْ بِهِ عَائِشَةُ فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ لِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُدْرِكْ مَا أَحْدَثْنَ، فَلَمْ يَمْنَعْهُنَّ، فَإِذْ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ فَمَنْعُهُنَّ بِدْعَةٌ وَخَطَأٌ، وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَوَجْهٌ خَامِسٌ: وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الإِحْدَاثُ سَبَبًا إلَى مَنْعِهِنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ فَالأَوْلَى أَنْ يَكُونَ سَبَبًا إلَى مَنْعِهِنَّ مِنْ السُّوقِ، وَمِنْ كُلِّ طَرِيقٍ بِلاَ شَكٍّ، فَلِمَ خَصَّ هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ مَنْعَهُنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ مِنْ أَجْلِ إحْدَاثِهِنَّ، دُونَ مَنْعِهِنَّ مِنْ سَائِرِ الطُّرُقِ بَلْ قَدْ أَبَاحَ لَهَا أَبُو حَنِيفَةَ السَّفَرَ وَحْدَهَا، وَالْمَسِيرَ فِي الْفَيَافِي وَالْفَلَوَاتِ مَسَافَةَ يَوْمَيْنِ وَنِصْفٍ، وَلَمْ يَكْرَهْ لَهَا ذَلِكَ، وَهَكَذَا فَلْيَكُنْ التَّخْلِيطُ. وَوَجْهٌ سَادِسٌ: وَهُوَ أَنَّ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، لَمْ تَرَ مَنْعَهُنَّ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَلاَ قَالَتْ: امْنَعُوهُنَّ لِمَا أَحْدَثْنَ؛ بَلْ أَخْبَرَتْ أَنَّهُ عليه السلام لَوْ عَاشَ لَمَنَعَهُنَّ، وَهَذَا هُوَ نَصُّ قَوْلِنَا وَنَحْنُ نَقُولُ: لَوْ مَنْعَهُنَّ عليه السلام لَمَنَعْنَاهُنَّ، فَإِذْ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ فَلاَ نَمْنَعُهُنَّ، فَمَا حَصَلُوا إلاَّ عَلَى خِلاَفِ السُّنَنِ، وَخِلاَفِ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، وَالْكَذِبِ بِإِيهَامِهِمْ مَنْ يُقَلِّدُهُمْ: أَنَّهَا مَنَعَتْ مِنْ خُرُوجِ النِّسَاءِ بِكَلاَمِهَا ذَلِكَ، وَهِيَ لَمْ تَفْعَلْ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ الْمُنْذِرِ فَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تُتْرَكَ رِوَايَاتُ الثِّقَاتِ الْمُتَوَاتِرَةُ بِرِوَايَةِ مِنْ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ الْغُدَانِيِّ فَهُوَ كَثِيرُ التَّصْحِيفِ وَالْغَلَطِ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ هَكَذَا قَالَ فِيهِ عَمْرُو بْنُ عَلِيِّ الْفَلاَّسُ وَغَيْرُهُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ، وَخَبَرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَجَاءٍ الْغُدَانِيِّ وَهُمَا لاَ يَصِحَّانِ لَكَانَ عَلَى أُمُورِهِمَا مُعَارَضَةٌ لِلأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ الَّتِي أَوْرَدْنَا، وَلاَِمْرِهِ عليه السلام بِخُرُوجِهِنَّ، حَتَّى ذَوَاتُ الْخُدُورِ وَالْحُيَّضُ إلَى مُشَاهَدَةِ صَلاَةِ الْعِيدِ، وَأَمَرَ مَنْ لاَ جِلْبَابَ لَهَا أَنْ تَسْتَعِيرَ مِنْ غَيْرِهَا جِلْبَابًا لِذَلِكَ. وَلِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَاصِمِ الْكِلاَبِيَّ حَدَّثَهُمْ قَالَ، حدثنا هَمَّامُ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيّ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: صَلاَةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلاَتُهَا فِي مَسْجِدِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا فِي بَيْتِهَا. قَالَ عَلِيٌّ: يُرِيدُ بِلاَ شَكٍّ مَسْجِدَ مُحَلَّتِهَا، لاَ يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ؛ لاَِنَّهُ لَوْ أَرَادَ عليه السلام مَسْجِدَ بَيْتِهَا لَكَانَ قَائِلاً: صَلاَتُهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا فِي بَيْتِهَا، وَحَاشَا لَهُ عليه السلام أَنْ يَقُولَ الْمُحَالَ؛ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ مَنْسُوخٌ. أَمَّا قَوْلُهُ إنَّ صَلاَتَهَا فِي مَسْجِدِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا فِي بَيْتِهَا وَحَضُّهُ عليه السلام عَلَى خُرُوجِهِنَّ إلَى الْعِيدِ، وَإِلَى الْمَسْجِدِ: مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: إنَّ صَلاَتَهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا فِي الْمَسْجِدِ وَمِنْ خُرُوجِهَا إلَى صَلاَةِ الْعِيدِ ". وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام: إنَّ صَلاَتَهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا فِي مَسْجِدِهَا، وَصَلاَتَهَا فِي مَسْجِدِهَا أَفْضَلُ مِنْ خُرُوجِهَا إلَى صَلاَةِ الْعِيدِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ عليه السلام: إنَّ صَلاَتَهَا فِي مَسْجِدِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا فِي بَيْتِهَا وَحَضِّهِ عَلَى خُرُوجِهَا إلَى صَلاَةِ الْعِيدِ. لاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الأَمْرَيْنِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ نَقْطَعَ عَلَى نَسْخِ خَبَرٍ صَحِيحٍ إلاَّ بِحُجَّةٍ. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ: فَوَجَدْنَا خُرُوجَهُنَّ إلَى الْمَسْجِدِ وَالْمُصَلَّى عَمَلاً زَائِدًا عَلَى الصَّلاَةِ؛ وَكُلْفَةً فِي الأَسْحَارِ وَالظُّلْمَةِ وَالزَّحْمَةِ وَالْهَوَاجِرِ الْحَارَّةِ؛ وَفِي الْمَطَرِ وَالْبَرْدِ؛ فَلَوْ كَانَ فَضْلُ هَذَا الْعَمَلِ الزَّائِدِ مَنْسُوخًا لَمْ يَخْلُ ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا أَنْ تَكُونَ صَلاَتُهَا فِي الْمَسْجِدِ وَالْمُصَلَّى مُسَاوِيَةً لِصَلاَتِهَا فِي بَيْتِهَا؛ فَيَكُونُ هَذَا الْعَمَلُ كُلُّهُ لَغْوًا وَبَاطِلاً، وَتَكَلُّفًا وَعَنَاءً، وَلاَ يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ أَصْلاً؛ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا، أَوْ تَكُونَ صَلاَتُهَا فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمُصَلَّى مُنْحَطَّةَ الْفَضْلِ عَنْ صَلاَتِهَا فِي بَيْتِهَا كَمَا يَقُولُ الْمُخَالِفُونَ، فَيَكُونُ الْعَمَلُ الْمَذْكُورُ كُلُّهُ إثْمًا حَاطًّا مِنْ الْفَضْلِ، وَلاَ بُدَّ؛ إذْ لاَ يَحُطُّ مِنْ الْفَضْلِ فِي صَلاَةٍ مَا عَنْ تِلْكَ الصَّلاَةِ بِعَيْنِهَا عَمَلٌ زَائِدٌ إلاَّ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ، وَلاَ يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ تَرْكِ أَعْمَالٍ مُسْتَحَبَّةٍ فِي الصَّلاَةِ، فَيَحُطُّ ذَلِكَ مِنْ الأَجْرِ لَوْ عَمِلَهَا؛ فَهَذَا لَمْ يَأْتِ بِإِثْمٍ لَكِنْ تَرْكُ أَعْمَالِ بِرٍّ، وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ عَمَلاً تَكَلَّفَهُ فِي صَلاَتِهِ فَأَتْلَفَ بَعْضَ أَجْرِهِ الَّذِي كَانَ يَتَحَصَّلُ لَهُ لَوْ لَمْ يَعْمَلْهُ، وَأَحْبَطَ بَعْضَ عَمَلِهِ: فَهَذَا عَمَلٌ مُحَرَّمٌ بِلاَ شَكٍّ لاَ يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا. وَلَيْسَ فِي الْكَرَاهَةِ إثْمٌ أَصْلاً، وَلاَ إحْبَاطُ عَمَلٍ؛ بَلْ فِيهِ عَدَمُ الأَجْرِ وَالْوِزْرِ مَعًا، وَإِنَّمَا الإِثْمُ إحْبَاطٌ عَلَى الْحَرَامِ فَقَطْ وَقَدْ اتَّفَقَ جَمِيعُ أَهْلِ الأَرْضِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمْنَعْ النِّسَاءَ قَطُّ الصَّلاَةَ مَعَهُ فِي مَسْجِدِهِ إلَى أَنْ مَاتَ عليه السلام، وَلاَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ. فَصَحَّ أَنَّهُ عَمَلٌ مَنْسُوخٌ؛ فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي هَذَا فَهُوَ عَمَلُ بِرٍّ، وَلَوْلاَ ذَلِكَ مَا أَقَرَّهُ عليه السلام. وَلاَ تَرَكَهُنَّ يَتَكَلَّفْنَهُ بِلاَ مَنْفَعَةٍ، بَلْ بِمَضَرَّةٍ، وَهَذَا الْعُسْرُ وَالأَذَى، لاَ النَّصِيحَةُ؛ وَإِذْ لاَ شَكَّ فِي هَذَا فَهُوَ النَّاسِخُ، وَغَيْرُهُ الْمَنْسُوخُ هَذَا لَوْ صَحَّ ذَانِكَ الْحَدِيثَانِ؛ فَكَيْفَ، وَهُمَا لاَ يَصِحَّانِ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَمَرَ سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ أَنْ يَؤُمَّ النِّسَاءَ فِي مُؤَخِّرِ الْمَسْجِدِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ عَاتِكَةَ بِنْتَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ كَانَتْ تَحْتَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَكَانَتْ تَشْهَدُ الصَّلاَةَ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لَهَا: وَاَللَّهِ إنَّك لَتَعْلَمِينَ أَنِّي مَا أُحِبُّ هَذَا فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ لاَ أَنْتَهِي حَتَّى تَنْهَانِي قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي لاَ أَنْهَاك؛ فَلَقَدْ طُعِنَ عُمَرُ يَوْمَ طُعِنَ، وَإِنَّهَا لَفِي الْمَسْجِدِ. قَالَ عَلِيٌّ: مَا كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَمْتَنِعُ مِنْ نَهْيِهَا عَنْ خُرُوجِهَا إلَى الْمَسْجِدِ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لاَ أَجْرَ لَهَا فِيهِ؛ فَكَيْفَ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَحُطُّ مِنْ أَجْرِهَا وَيُحْبِطُ عَمَلَهَا، وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي قَوْلِهِ لَهَا: إنِّي لاَ أُحِبُّ ذَلِكَ؛ لاَِنَّ مَيْلَ النَّفْسِ لاَ إثْمَ فِيهِ؛ وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ: لَوْلاَ خَوْفُ اللَّهِ تَعَالَى لاََحَبَّ الأَكْلَ إذَا جَاعَ فِي رَمَضَانَ، وَالشُّرْبَ فِيهِ إذَا عَطِشَ، وَالنَّوْمَ فِي الْغَدَوَاتِ الْبَارِدَةِ فِي اللَّيْلِ الْقَصِيرِ عَنْ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَوَاتِ، وَوَطْءَ كُلِّ جَارِيَةٍ حَسْنَاءَ يَرَاهَا الْمَرْءُ فَيُحِبُّ الْمَرْءُ الشَّيْءَ الْمَحْظُورَ لاَ حَرَجَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى صَرْفِ قَلْبِهِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي صَبْرِهِ أَوْ عَمَلِهِ فَقَطْ. قَالَ تَعَالَى: قَالَ عَلِيٌّ: وَالشَّوَابُّ وَغَيْرُهُنَّ سَوَاءٌ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَلاَ يُؤَذَّنُ، وَلاَ يُقَامُ لِشَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ، كَالْعِيدَيْنِ وَالاِسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ صَلَّى كُلَّ ذَلِكَ فِي جَمَاعَةٍ وَفِي الْمَسْجِدِ، وَلاَ لِصَلاَةِ فَرْضٍ عَلَى الْكِفَايَةِ: كَصَلاَةِ الْجِنَازَةِ، وَيُسْتَحَبُّ إعْلاَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ، مِثْلَ النِّدَاءِ: الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ؛ وَهَذَا مِمَّا لاَ يُعْلَمُ فِيهِ خِلاَفٌ إلاَّ شَيْئًا كَانَ بَنُو أُمَيَّةَ قَدْ أَحْدَثُوهُ مِنْ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ لِصَلاَةِ الْعِيدَيْنِ، وَهُوَ بِدْعَةٌ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِأَذَانٍ، وَلاَ إقَامَةٍ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ عَلِيٌّ: الأَذَانُ وَالإِقَامَةُ أَمْرٌ بِالْمَجِيءِ إلَى الصَّلاَةِ، وَلَيْسَ يَجِبُ ذَلِكَ إلاَّ فِي الْفَرَائِضِ الْمُتَعَيَّنَةِ، وَلاَ يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي النَّوَافِلِ؛ فَلاَ أَذَانَ فِيهَا، وَلاَ إقَامَةَ، وَإِعْلاَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى خَيْرٍ وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ إلاَّ رَجُلٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ مُسْلِمٌ مُؤَدٍّ لاَِلْفَاظِ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ حَسْبَ طَاقَتِهِ، وَلاَ يُجْزِئُ أَذَانُ مَنْ لاَ يَعْقِلُ حِينَ أَذَانِهِ لِسُكْرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ فَإِذَا أَذَّنَ الْبَالِغُ لَمْ يُمْنَعْ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ الأَذَانِ بَعْدَهُ؛ وَيُجْزِئُ أَذَانُ الْفَاسِقِ؛ وَالْعَدْلُ أَحَبُّ إلَيْنَا؛ وَالصَّيِّتُ أَفْضَلُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ النِّسَاءَ لَمْ يُخَاطَبْنَ بِالأَذَانِ لِلرِّجَالِ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ أَوْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا فَإِنَّمَا أَمَرَ بِالأَذَانِ مَنْ أُلْزِمَ الصَّلاَةَ فِي جَمَاعَةٍ وَهُمْ الرِّجَالُ فَقَطْ؛ لاَ النِّسَاءُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَالصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، وَالذَّاهِبُ الْعَقْلَ بِسُكْرٍ: غَيْرُ مُخَاطَبِينَ فِي هَذِهِ الأَحْوَالِ؛ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ فَذَكَرَ الصَّبِيَّ، وَالْمَجْنُونَ، وَالنَّائِمَ وَالأَذَانُ مَأْمُورٌ بِهِ كَمَا ذَكَرْنَا؛ فَلاَ يُجْزِئُ أَدَاؤُهُ إلاَّ مِنْ مُخَاطَبٍ بِهِ بِنِيَّةِ أَدَائِهِ مَا أُمِرَ بِهِ، وَغَيْرُ الْفَرْضِ لاَ يُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ فإن قيل: فَإِنَّكُمْ تُجِيزُونَ لِمَنْ أَذَّنَ لاَِهْلِ مَسْجِدٍ أَنْ يُؤَذِّنَ لاَِهْلِ مَسْجِدٍ آخَرَ فِي تِلْكَ الصَّلاَةِ نَفْسِهَا؛ وَهَذَا تَطَوُّعٌ مِنْهُ قلنا: نَعَمْ، وَهُوَ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا مِنْهُ، فَهُوَ مِنْ أَحَدِهِمْ الْمَأْمُورِينَ بِإِقَامَةِ الأَذَانِ وَالإِمَامَةِ وَالإِقَامَةِ لِمَنْ مَعَهُ، فَهُوَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مُؤَدِّي فَرْضٍ، وَإِذَا تَأَدَّى الْفَرْضُ؛ فَالأَذَانُ: فِعْلُ خَيْرٍ لاَ يُمْنَعُ الصِّبْيَانُ مِنْهُ؛ لاَِنَّهُ ذِكْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَطَوُّعٌ وَبِرٌّ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَيْسَ أَحَدَنَا، وَلاَ مُؤْمِنًا، وَإِنَّمَا أَلْزَمْنَا أَنْ يُؤَذِّنَ لَنَا أَحَدُنَا. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُؤَدِّ أَلْفَاظَ الأَذَانِ مُتَعَمِّدًا فَلَمْ يُؤَذِّنْ كَمَا أُمِرَ، وَلاَ أَتَى بِأَلْفَاظِ الأَذَانِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا؛ فَهَذَا لَمْ يُؤَذِّنْ أَصْلاً فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ لِلُثْغَةٍ أَوْ لُكْنَةٍ أَجْزَأَ أَذَانُهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَأَمَّا الْفَاسِقُ فَإِنَّهُ أَحَدُنَا بِلاَ شَكٍّ؛ لاَِنَّهُ مُسْلِمٌ، فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ عليه السلام: لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلاَ خِلاَفَ فِي اخْتِيَارِ الْعَدْلِ, وَأَمَّا الصَّيِّتُ؛ فَلاَِنَّ الأَذَانَ أَمْرٌ بِالْمَجِيءِ إلَى الصَّلاَةِ؛ فَإِسْمَاعُ الْمَأْمُورِينَ أَوْلَى؛ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَِبِي مَحْذُورَةَ ارْجِعْ فَارْفَعْ صَوْتَكَ وَهَذَا أَمْرٌ بِرَفْعِ الصَّوْتِ؛ فَلَوْ تَعَمَّدَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ لاَ يَرْفَعَ صَوْتَهُ لَمْ يُجْزِهِ أَذَانُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَكْثَرَ إلاَّ بِمَشَقَّةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَالَ عليه السلام مَا قَدْ ذَكَرْنَا بِإِسْنَادِهِ، إذَا نُودِيَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَالاِجْتِهَادُ فِي طَرْدِ الشَّيْطَانِ فِعْلٌ حَسَنٌ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ إنْسٌ، وَلاَ جَانٌّ، وَلاَ شَيْءٌ إلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيِّ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مُسْنَدًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا مَعًا؛ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فَالْمُؤَذِّنُ هُوَ الْمُبْتَدِئُ، وَالدَّاخِلُ عَلَيْهِ مُسِيءٌ لاَ أَجْرَ لَهُ، وَمَا يَبْعُدُ عَنْهُ الإِثْمُ، وَالْوَاجِبُ مَنْعُهُ؛ فَإِنْ بَدَآ مَعًا فَالأَذَانُ لِلصَّيِّتِ الأَحْسَنِ تَأْدِيَةً. وَجَائِزٌ أَنْ يُؤَذِّنَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ لِلْمَغْرِبِ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ: فَإِنْ تَشَاحُّوا، وَهُمْ سَوَاءٌ فِي التَّأْدِيَةِ وَالصَّوْتِ وَالْفَضْلِ وَالْمَعْرِفَةِ بِالأَوْقَاتِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ، سَوَاءٌ عَظُمَتْ أَقْطَارُ الْمَسْجِدِ أَوْ لَمْ تَعْظُمْ حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ السَّكَنِ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا. قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ جَازَ أَنْ يُؤَذِّنَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا مَعًا لَكَانَ الاِسْتِهَامُ لَغْوًا لاَ وَجْهَ لَهُ؛ وَحَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا، وَلَوْ كَانَ الصَّفُّ الأَوَّلُ لِمَنْ بَادَرَ بِالْمَجِيءِ لَكَانَ الاِسْتِهَامُ لاَ مَعْنَى لَهُ؛ لاَِنَّهُ لاَ يُمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ الْبِدَارِ، وَإِنَّمَا الاِسْتِهَامُ فِيمَا يَضِيقُ فَلاَ يَحْمِلُ إلاَّ بَعْضَ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ لاَ يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ غَيْرُ هَذَا. وَقَدْ أَقْرَعَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ بَيْنَ الْمُتَشَاحِّينَ فِي الأَذَانِ؛ إذْ قُتِلَ الْمُؤَذِّنُ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ؛ وَلَوْ جَازَ أَذَانُ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا لَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقَّ النَّاسِ بِأَنْ لاَ يُضَيِّعُوا فَضْلَهُ؛ فَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلاَّ مُؤَذِّنَانِ فَقَطْ.
وَيُجْزِئُ الأَذَانُ وَالإِقَامَةُ قَاعِدًا وَرَاكِبًا وَعَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَجُنُبًا، وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَأَفْضَلُ ذَلِكَ أَنْ لاَ يُؤَذِّنَ إلاَّ قَائِمًا إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى طَهَارَةٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ، وَمَالِكٍ، فِي الأَذَانِ خَاصَّةً وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَغَيْرِهِمْ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قلنا ذَلِكَ: لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ هَذَا نَهْيٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ تَعَالَى: فَصَحَّ أَنَّ مَا لَمْ يُفَصَّلْ لَنَا تَحْرِيمُهُ فَهُوَ مُبَاحٌ، وَإِنَّمَا تَخَيَّرْنَا أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ عَلَى طَهَارَةٍ قَائِمًا إلَى الْقِبْلَةِ؛ لاَِنَّهُ عَمَلُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا.
وَمَنْ عَطَسَ فِي أَذَانِهِ، وَإِقَامَتِهِ: فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَإِنْ سَمِعَ عَاطِسًا يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى: فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُشَمِّتَهُ فِي أَذَانِهِ، وَإِقَامَتِهِ، وَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ فِي أَذَانِهِ، وَإِمَامَتِهِ: فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ بِالْكَلاَمِ ثُمَّ الْكَلاَمُ الْمُبَاحُ كُلُّهُ جَائِزٌ فِي نَفْسِ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا ابْنُ السُّلَيْمِ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلْيَقُلْ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَيَقُولُ هُوَ: يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ. فَلَمْ تَخُصَّ النُّصُوصُ حَالَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَلاَ جَاءَ نَهْيٌ قَطُّ عَنْ الْكَلاَمِ فِي نَفْسِ الأَذَانِ، وَمَا نَعْلَمُ حُجَّةً لِمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ أَصْلاً فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى الصَّلاَةِ قلنا: فَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ الأَذَانَ بِلاَ وُضُوءٍ؛ فَأَيْنَ قِيَاسُهُ عَلَى الصَّلاَةِ. حدثنا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْت بِلاَلاً يُؤَذِّنُ وَيَدُورُ، فَأَتَتَبَّعُ فَاهُ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، وَأُصْبُعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ. وَرُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدَ صَاحِب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ لِلْعَسْكَرِ فَكَانَ يَأْمُرُ غُلاَمَهُ فِي أَذَانِهِ بِالْحَاجَةِ. وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي أَذَانِهِ لِلْحَاجَةِ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ نُسَيْرِ بْنِ ذُعْلُوقٍ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يُؤَذِّنُ عَلَى بَعِيرِهِ.
وَلاَ تَجُوزُ الآُجْرَةُ عَلَى الأَذَانِ، فَإِنْ فَعَلَ وَلَمْ يُؤَذِّنْ إلاَّ لِلآُجْرَةِ لَمْ يَجُزْ أَذَانُهُ، وَلاَ أَجْزَأَتْ الصَّلاَةُ بِهِ وَجَائِزٌ أَنْ يُعْطَى عَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ، وَأَنْ يَرْزُقَهُ الإِمَامُ كَذَلِكَ حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي دُلَيْمٍ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا حَفْصُ بْنُ غَيَّاثٍ عَنْ أَشْعَثَ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيُّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ آخِرُ مَا عَهِدَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لاَ أَتَّخِذَ مُؤَذِّنًا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ وقال مالك: لاَ بَأْسَ بِأَخْذِ الآُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا خِلاَفُ النَّصِّ. رُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ هُوَ أَبُو عُمَيْسٍ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَرْبَعٌ لاَ يُؤْخَذُ عَلَيْهِنَّ أَجْرٌ: الأَذَانُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالْمَقَاسِمِ وَالْقَضَاءِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ عَنْ يَحْيَى الْبَكَّاءِ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ لِرَجُلٍ: إنِّي لاََبْغَضُك فِي اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ لاَِصْحَابِهِ: إنَّهُ يَتَغَنَّى فِي أَذَانِهِ وَيَأْخُذُ عَلَيْهِ أَجْرًا. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
وَمَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَانْدَفَعَ الأَذَانُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ إلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ لِضَرُورَةٍ: حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْفٍ عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ أَنَا أَبُو صَخْرَةَ هُوَ جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ مَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ " أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا إِسْحَاقُ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَسَوَّى النَّاسُ صُفُوفَهُمْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَقَدَّمَ وَهُوَ جُنُبٌ، ثُمَّ قَالَ: عَلَى مَكَانِكُمْ، فَرَجَعَ وَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً فَصَلَّى بِهِمْ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:
وَجَائِزٌ أَنْ يُقِيمَ غَيْرُ الَّذِي أَذَّنَ؛ لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ ذَلِكَ نَهْيٌ يَصِحُّ، وَالأَثَرُ الْمَرْوِيُّ إنَّمَا يُقِيمُ مَنْ أَذَّنَ إنَّمَا جَاءَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ، وَهُوَ هَالِكٌ.
وَمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ فَلْيَقُلْ كَمَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ سَوَاءً سَوَاءً، مِنْ أَوَّلِ الأَذَانِ إلَى آخِرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي غَيْرِ صَلاَةٍ أَوْ فِي صَلاَةِ فَرْضٍ أَوْ نَافِلَةٍ، حَاشَا قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ " حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ " فَإِنَّهُ لاَ يَقُولُهُمَا فِي الصَّلاَةِ، وَيَقُولُهُمَا فِي غَيْرِ صَلاَةٍ، فَإِذَا أَتَمَّ الصَّلاَةَ فَلْيَقُلْ ذَلِكَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ حَيْوَةُ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام كَوْنَهُ فِي صَلاَةٍ مِنْ غَيْرِ كَوْنِهِ فِيهَا، وَإِنَّمَا قلنا: لاَ يَقُولُ فِي الصَّلاَةِ " حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ " لاَِنَّهُ تَكْلِيمٌ لِلنَّاسِ يُدْعَوْنَ بِهِ إلَى الصَّلاَةِ، وَسَائِرُ الأَذَانِ ذِكْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالصَّلاَةُ مَوْضِعُ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ حَجَاجٍ الصَّوَّافِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ هِلاَلِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ: وَفِي آخِرِهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَوْ كَمَا قَالَ عليه السلام فَإِنْ قَالَ سَامِعُ الأَذَانِ: لاَ حَوْلَ، وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاَللَّهِ " مَكَانَ " حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ " فَحَسَنٌ. حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنِي حَجَاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى أَنَّ عِيسَى بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إنِّي عِنْدَ مُعَاوِيَةَ إذْ أَذَّنَ مُؤَذِّنُهُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ كَمَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ، حَتَّى إذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ قَالَ لاَ حَوْلَ، وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاَللَّهِ فَلَمَّا قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ قَالَ لاَ حَوْلَ، وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاَللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ.
وَصِفَةُ الأَذَانِ: مَعْرُوفَةٌ، وَأَحَبُّ ذَلِكَ إلَيْنَا أَذَانُ أَهْلِ مَكَّةَ وَهُوَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ؛ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ؛ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ؛ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ. وَأَذَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَمَا وَصَفْنَا سَوَاءً سَوَاءً؛ إلاَّ أَنَّهُ لاَ يَقُولُ فِي أَوَّلِ أَذَانِهِ: " اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ " إلاَّ مَرَّتَيْنِ فَقَطْ وَأَذَانُ أَهْلِ الْكُوفَةِ كَمَا وَصَفْنَا أَذَانَ أَهْلِ مَكَّةَ إلاَّ أَنَّهُمْ لاَ يَقُولُونَ " أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ " إلاَّ مَرَّتَيْنِ فَقَطْ وَإِنْ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بِأَذَانِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ بِأَذَانِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: فَحَسَنٌ وَإِنْ زَادَ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ بَعْدَ: حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ: الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ: فَحَسَنٌ. وَإِنَّمَا تَخَيَّرْنَا أَذَانَ أَهْلِ مَكَّةَ؛ لاَِنَّ فِيهِ زِيَادَةَ ذِكْرٍ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى أَذَانِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَذَانِ أَهْلِ الْكُوفَةِ؛ فَفِيهِ تَرْجِيعُ " اللَّهُ أَكْبَرُ " وَفِيهِ تَرْجِيعُ " أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ "، وَهَذِهِ زِيَادَةُ خَيْرٍ لاَ تُحَقَّرُ. أَقَلُّ مَا يَجِبُ لَهَا سِتُّونَ حَسَنَةً وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ قَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ، مِنْهَا: مَا حَدَّثَنَاهُ حَمَامُ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُنْقِرِيُّ الْبَصْرِيُّ، حدثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، حدثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى أَنَّ عَامِرَ بْنَ عَبْدِ الْوَاحِدِ الأَحْوَلَ حَدَّثَهُ أَنَّ مَكْحُولاً الشَّامِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ ابْنَ مُحَيْرِيزٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ الأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَالإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً ثُمَّ وَصَفَ الأَذَانَ الَّذِي ذَكَرْنَا حَرْفًا حَرْفًا. وَحَدَّثَنَاهُ أَيْضًا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ وَيُوسُفُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا حَجَّاجُ عن ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ ابْنَ مُحَيْرِيزٍ أَخْبَرَهُ، وَكَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أَبِي مَحْذُورَةَ قَالَ: قُلْت لاَِبِي مَحْذُورَةَ: إنِّي خَارِجٌ إلَى الشَّامِ، وَأَخْشَى أَنْ أُسْأَلَ عَنْ تَأْذِينِكَ فَأَخْبِرْنِي فَذَكَرَ لَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ الأَذَانَ كَمَا ذَكَرْنَا نَصًّا. وَقَدْ جَاءَتْ أَيْضًا آثَارٌ مِثْلُ هَذِهِ بِمِثْلِ أَذَانِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَذَانِ أَهْلِ الْكُوفَةِ؛ إلاَّ أَنَّ هَذِهِ زَائِدَةٌ عَلَيْهَا تَرْبِيعًا وَتَرْجِيعًا؛ وَزِيَادَةُ الرُّوَاةِ الْعُدُولِ لاَ يَجُوزُ تَرْكُهَا؛ إلاَّ أَنْ تَكُونَ عَلَى التَّخْيِيرِ؛ فَيَكُونُ الأَخْذُ بِالزِّيَادَةِ أَفْضَلَ؛ لاَِنَّهَا زِيَادَةُ ذِكْرٍ وَخَيْرٍ. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا وَكِيعُ بْنُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ: أَنَّهُ أَرْسَلَ إلَى مُؤَذِّنٍ لَهُ: لاَ تُثَوِّبُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلاَةِ إلاَّ الْفَجْرَ؛ فَإِذَا بَلَغْت " حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ " فَقُلْ " الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ " فَإِنَّهُ أَذَانُ بِلاَلٍ. قَالَ عَلِيٌّ: سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ مِنْ أَكْبَرِ التَّابِعِينَ، قَدِمَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ لَيَالٍ أَوْ نَحْوِهَا؛ وَأَدْرَكَ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ الْبَاقِينَ بَعْدَ مَوْتِهِ عليه السلام. وبه إلى وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْمُؤَذِّنِ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ: أَنَّهُ كَانَ إذَا بَلَغَ " حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ " فِي الْفَجْرِ قَالَ " الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ ". قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ يُؤَذِّنْ بِلاَلٌ لاَِحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلاَّ مَرَّةً وَاحِدَةً بِالشَّامِ لِلظُّهْرِ، أَوْ الْعَصْرِ فَقَطْ، وَلَمْ يَشْفَعْ الأَذَانَ فِيهَا أَيْضًا. وَأَمَّا الإِقَامَةُ فَهِيَ " اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ، قَدْ قَامَتْ الصَّلاَةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلاَةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ ". بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ حَدَّثَنَا قَالَ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ إلاَّ الإِقَامَةَ. حدثنا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حدثنا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: كَانَ بِلاَلٌ يُوتِرُ الإِقَامَةَ وَيُثَنِّي الأَذَانَ؛ إلاَّ قَوْلَهُ " قَدْ قَامَتْ الصَّلاَةُ، قَدْ قَامَتْ الصَّلاَةُ ". قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ ذَكَرْنَا مَا لاَ يَخْتَلِفُ فِيهِ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ: أَنَّ بِلاَلاً رضي الله عنه لَمْ يُؤَذِّنْ قَطُّ لاَِحَدٍ بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلاَّ مَرَّةً وَاحِدَةً بِالشَّامِ، وَلَمْ يُتِمَّ أَذَانَهُ فِيهَا؛ فَصَارَ هَذَا الْخَبَرُ مُسْنَدًا صَحِيحَ الإِسْنَادِ، وَصَحَّ أَنَّ الآمِرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ أَحَدَ غَيْرَهُ وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: الإِقَامَةُ مَثْنَى مَثْنَى، وَاخْتُلِفَ عَنْهُمْ فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ؛ فَرَوَى زُفَرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي قَوْلِ " اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ " أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي ابْتِدَاءِ الأَذَانِ، وَفِي ابْتِدَاءِ الإِقَامَةِ كَذَلِكَ أَيْضًا؛ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ هُمْ الْحَنَفِيُّونَ الْيَوْمَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كِلاَ الأَمْرَيْنِ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ " اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ " فِي ابْتِدَائِهِمَا مَرَّتَيْنِ فَقَطْ. وَقَدْ جَاءَ حَدِيثٌ بِمِثْلِ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ فِي الأَذَانِ، وَمَا نَعْلَمُ خَبَرًا قَطُّ رُوِيَ فِي قَوْلِ " اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ " أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَوَّلِ الإِقَامَةِ وَلَوْ لاَ أَنَّهَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى لَوَجَبَ إبْطَالُ الإِقَامَةِ بِهَا؛ وَإِبْطَالُ صَلاَةِ مَنْ صَلَّى بِتِلْكَ الإِقَامَةِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ زَادَ فِي الإِقَامَةِ " لاَ حَوْلَ، وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاَللَّهِ " أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ مِنْ الإِقَامَةِ فِي شَيْءٍ. وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: الإِقَامَةُ كُلُّهَا وِتْرٌ؛ إلاَّ " اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ " فَإِنَّهُ يُكَرَّرُ، وَلاَ يُقَالُ " قَدْ قَامَتْ الصَّلاَةُ " إلاَّ مَرَّةً وَاحِدَةً قَالَ عَلِيٌّ: الأَذَانُ مَنْقُولٌ نَقْلَ الْكَافَّةِ بِمَكَّةَ وَبِالْمَدِينَةِ وَبِالْكُوفَةِ؛ لاَِنَّهُ لَمْ يَمُرَّ بِأَهْلِ الإِسْلاَمِ مُذْ نَزَلَ الأَذَانُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِ مَاتَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: آخِرُ مَنْ شَاهَدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحْبَهُ يَوْمٌ إلاَّ وَهُمْ يُؤَذِّنُونَ فِيهِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِهِمْ خَمْسَ مَرَّاتٍ فَأَكْثَرَ؛ فَمِثْلُ هَذَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَى، وَلاَ أَنْ يُحَرَّفَ فَلَوْ لاَ أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْوُجُوهِ قَدْ كَانَ يُؤَذَّنُ بِهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلاَ شَكٍّ؛ وَكَانَ الأَذَانُ بِمَكَّةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَعُهُ عليه السلام إذْ حَجَّ، ثُمَّ يَسْمَعُهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، بَعْدَهُ عليه السلام، وَسَكَنَهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ابْنُ الزُّبَيْرِ تِسْعَ سِنِينَ، وَهُوَ بَقِيَّةُ الصَّحَابَةِ، وَالْعُمَّالُ مِنْ قِبَلِهِ بِالْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ الْمُحَالِ الَّذِي لاَ يَحِلُّ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ، رضي الله عنهم، أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ بَدَّلُوا الأَذَانَ وَسَمِعَهُ أَحَدُ هَؤُلاَءِ الْخُلَفَاءِ، رضي الله عنهم، أَوْ بَلَغَهُ وَالْخِلاَفَةُ بِيَدِهِ: فَلَمْ يُغَيِّرْ، هَذَا مَا لاَ يَظُنُّهُ مُسْلِمٌ؛ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ بِحَضْرَتِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، وَلاَ فَرْقَ وَكَذَلِكَ فُتِحَتْ الْكُوفَةُ وَنَزَلَ بِهَا طَوَائِفُ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَتَدَاوَلَهَا عُمَّالُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُمَّالُ عُثْمَانَ رضي الله عنهما, كَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَمَّارٍ، وَالْمُغِيرَةِ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَلَمْ تَزَلْ الصَّحَابَةُ الْخَارِجُونَ عَنْ الْكُوفَةِ يُؤَذِّنُونَ فِي كُلِّ يَوْمِ سَفَرِهِمْ خَمْسَ مَرَّاتٍ، إلَى أَنْ بَنُوهَا وَسَكَنُوهَا؛ فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ أَنْ يُحَالَ الأَذَانُ بِحَضْرَةِ مَنْ ذَكَرْنَا وَيَخْفَى ذَلِكَ عَلَى عُمَرَ وَعُثْمَانَ، أَوْ يَعْلَمُهُ أَحَدُهُمَا فَيُقِرُّهُ، وَلاَ يُنْكِرُهُ ثُمَّ سَكَنَ الْكُوفَةَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إلَى أَنْ مَاتَ وَنَفَّذَ الْعُمَّالَ مِنْ قِبَلِهِ إلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، ثُمَّ الْحَسَنُ ابْنُهُ رضي الله عنه إلَى أَنْ سَلَّمَ الأَمْرَ لِمُعَاوِيَةَ رحمه الله تعالى؛ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُغَيَّرَ الأَذَانُ، وَلاَ يُنْكِرُ تَغَيُّرَهُ: عَلِيٌّ؛ وَالْحَسَنُ؛ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ عَلَى عَلِيٍّ؛ لَجَازَ مِثْلُهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَحَاشَا لَهُمْ مِنْ هَذَا؛ مَا يَظُنُّ هَذَا بِهِمْ، وَلاَ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ مُسْلِمٌ أَصْلاً. فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ أَذَانُ مَكَّةَ، وَلاَ أَذَانُ الْكُوفَةِ نَقْلَ كَافَّةٍ قِيلَ لَهُمْ: فَإِنْ قَالُوا لَكُمْ: بَلْ أَذَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَيْسَ هُوَ نَقْلُ كَافَّةٍ فَمَا الْفَرْقُ فَإِنْ ادَّعُوا فِي هَذَا مُحَالاً اُدُّعِيَ عَلَيْهِمْ مِثْلُهُ فَإِنْ قَالُوا: إنَّ أَذَانَ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ يَرْجِعُ إلَى قَوْمٍ مَحْصُورٍ عَدَدُهُمْ قِيلَ لَهُمْ: وَأَذَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَرْجِعُ إلَى ثَلاَثَةِ رِجَالٍ لاَ أَكْثَرَ: مَالِكٍ، وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فَقَطْ؛ وَإِنَّمَا أَخَذَهُ أَصْحَابُ هَؤُلاَءِ عَنْ هَؤُلاَءِ فَقَطْ فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يُخْتَلَفْ فِي الأَذَانِ بِالتَّثْنِيَةِ قِيلَ لَهُمْ: هَذَا الْكَذِبُ الْبَحْتُ رَوَى مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عن ابْنِ عُمَرَ: الأَذَانُ ثَلاَثًا ثَلاَثًا. وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ نَافِعٍ عن ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يُثَنِّي الإِقَامَةَ؛ فَيَبْطُلُ بِهَذَا بِيَقِينِ الْبُطْلاَنِ فِيمَا يَحْتَجُّ بِهِ الْمَالِكِيُّونَ لاِخْتِيَارِهِمْ فِي الأَذَانِ بِأَنَّهُ نَقْلُ الْكَافَّةِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ لاَِذَانِ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ ذَلِكَ مَا لاَِذَانِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ سَوَاءً سَوَاءً، وَأَنَّ لاَِذَانِ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِنْ ذَلِكَ مَا لاَِذَانِ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَذَانِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلاَ فَرْقَ فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يُغَيِّرْ ذَلِكَ الصَّحَابَةُ لَكِنْ غُيِّرَ بَعْدَهُمْ قلنا: إنْ جَازَ ذَلِكَ عَلَى التَّابِعِينَ بِمَكَّةَ وَالْكُوفَةِ، فَهُوَ عَلَى التَّابِعِينَ بِالْمَدِينَةِ أَجْوَزُ؛ فَمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ فِي التَّابِعِينَ كَعَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدِ، وَسُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ؛ وَالرُّحَيْلِ وَمَسْرُوقٍ، وَنُبَاتَةَ وَسَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ وَغَيْرِهِمْ؛ فَكُلُّ هَؤُلاَءِ أَفْتَى فِي حَيَاةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؛ وَمَا يَرْتَفِعُ أَحَدٌ مِنْ تَابِعِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى طَاوُوس وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُظَنَّ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ تَبْدِيلُ عَمُودِ الدَّيْنِ فَإِنْ هَبَطُوا إلَى تَابِعِي التَّابِعِينَ؛ فَمَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، إلاَّ جَازَ مِثْلُهُ عَلَى مَالِكٍ؛ فَمَا لَهُ عَلَى هَذَيْنِ فَضْلٌ، لاَ فِي عِلْمٍ، وَلاَ فِي وَرَعٍ؛ وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُظَنَّ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فَإِنْ رَجَعُوا إلَى الْوُلاَةِ؛ فَإِنَّ الْوُلاَةَ عَلَى مَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ، وَالْكُوفَةِ: إنَّمَا كَانُوا يَنْفُذُونَ مِنْ الشَّامِ مِنْ عَهْدِ مُعَاوِيَةَ إلَى صَدْرِ زَمَانِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ، وَمَالِكٍ؛ ثُمَّ مِنْ الأَنْبَارِ وَبَغْدَادَ فِي بَاقِي أَيَّامِ هَؤُلاَءِ؛ فَلاَ يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَالِي مَكَّةَ، وَالْكُوفَةِ، إلاَّ جَازَ مِثْلُهُ عَلَى وَالِي الْمَدِينَةِ؛ وَكُلُّهَا قَدْ وَلِيَهَا الصَّالِحُ وَالْفَاسِقُ، كَالْحَجَّاجِ، وَحُبَيْشِ بْنِ دُلْجَةَ، وَطَارِقٍ، وَخَالِدٍ الْقَسْرِيِّ وَمَا هُنَالِكَ مِنْ كُلِّ مَنْ لاَ خَيْرَ؛ فَمَا جَازَ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِمَكَّةَ، وَالْكُوفَةِ، فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِمْ بِالْمَدِينَةِ سَوَاءً سَوَاءً بَلْ الأَمْرُ أَقْرَبُ إلَى الاِمْتِنَاعِ بِمَكَّةَ؛ لاَِنَّ وُفُودَ جَمِيعِ أَهْلِ الأَرْضِ يَرِدُونَهَا كُلَّ سَنَةٍ؛ فَمَا كَانَ لِيَخْفَى ذَلِكَ أَصْلاً عَلَى النَّاسِ؛ وَمَا قَالَ هَذَا أَحَدٌ قَطُّ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فَإِنْ رَجَعُوا إلَى الرِّوَايَاتِ؛ فَالرِّوَايَاتُ كَمَا ذَكَرْنَا مُتَقَارِبَةٌ إلاَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَشْهُورَ فِي الإِقَامَةِ؛ فَمَا جَاءَتْ بِهِ قَطُّ رِوَايَةٌ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمُدِّ، وَالصَّاعِ، وَالْوَسْقِ، فِي شَيْءٍ؛ لاَِنَّ كُلَّ مُدٍّ، أَوْ قَفِيزٍ أُحْدِثَ بِالْمَدِينَةِ وَبِالْكُوفَةِ فَقَدْ عُرِفَ؛ كَمَا عُرِفَ بِالْمَدِينَةِ مُدُّ هِشَامٍ الَّذِي أَحْدَثَ؛ وَالْمُدُّ الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ: أَنَّ الصَّاعَ هُوَ مُدٌّ وَثُلُثٌ بِالْمُدِّ الآخَرِ، وَكَمُدِّ أَهْلِ الْكُوفَةِ الْحَجَّاجِي، وَكَصَاعِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَلاَ حَرَجَ فِي إحْدَاثِ الأَمِيرِ أَوْ غَيْرِهِ مُدًّا أَوْ صَاعًا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ وَبَقِيَ مُدُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاعُهُ وَوَسْقُهُ مَنْقُولاً إلَيْهِ نَقْلَ الْكَافَّةِ إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْعَجَبُ أَنَّ مَالِكًا رَأَى كَفَّارَةَ الظِّهَارِ خَاصَّةً بِمُدِّ هِشَامٍ الْمُحْدَثِ عَلَى اخْتِلاَفِ أَصْحَابِهِ فِيهِ؛ فَأَشْهَبُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ، يَقُولُ أَحَدُهُمْ: وَهُوَ مُدٌّ وَنِصْفٌ، وَيَقُولُ الآخَرُ: هُوَ مُدَّانِ غَيْرُ ثُلُثٍ وَيَقُولُ غَيْرُهُمْ: هُوَ مُدَّانِ وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنْ قَالَ: أَذَانُ أَبِي مَحْذُورَةَ مُتَأَخِّرٌ . فَقُلْنَا: نَعَمْ؛ وَأَحْسَنُ طُرُقِهِ مُوَافِقٌ لاِخْتِيَارِنَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ فِيهِ تَثْنِيَةَ الإِقَامَةِ قلنا: نَعَمْ، وَلَسْنَا نُنْكِرُ تَثْنِيَتَهَا كَانَ الأَمْرَ الأَوَّلَ؛ وَإِفْرَادُهَا كَانَ الأَمْرَ الآخَرَ بِلاَ شَكٍّ. لِمَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا وَكِيعٌ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ رَأَى الأَذَانَ فِي الْمَنَامِ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ قَالَ: عَلِّمْهُ بِلاَلاً؛ فَقَامَ بِلاَلٌ فَأَذَّنَ مَثْنَى، وَأَقَامَ مَثْنَى. قال علي: وهذا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ مِنْ إسْنَادِ الْكُوفِيِّينَ فَصَحَّ أَنَّ تَثْنِيَةَ الإِقَامَةِ قَدْ نُسِخَتْ؛ وَأَنَّهُ هُوَ كَانَ أَوَّلَ الأَمْرِ؛ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى أَخَذَ عَنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ وَأَدْرَكَ بِلاَلاً وَعُمَرَ رضي الله عنهما; فَلاَحَ بُطْلاَنُ قَوْلِهِمْ بِيَقِينٍ، وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. إلاَّ أَنَّ الأَفْضَلَ مَا صَحَّ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلاَلاً بِأَنْ يُوتِرَهَا إلاَّ الإِقَامَةَ؛ وَالصَّحِيحُ الآخَرُ أَوْلَى بِالأَخْذِ مِمَّا لاَ يَبْلُغُ دَرَجَتَهُ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيِّينَ: مَعْنَى " إلاَّ الإِقَامَةَ " أَيْ إلاَّ " اللَّهُ أَكْبَرُ " وَهَذَا جَرْيٌ مِنْهُمْ عَلَى عَادَتِهِمْ فِي الْكَذِبِ " وَمَا سَمَّى أَحَدٌ قَطُّ قَوْلَ " اللَّهُ أَكْبَرُ " إقَامَةً، لاَ فِي لُغَةٍ، وَلاَ فِي شَرِيعَةٍ، فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ مُبَيَّنًا أَنَّهُ " قَدْ قَامَتْ الصَّلاَةُ " كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: إنَّ الأَمْرَ لِبِلاَلٍ بِأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ هُوَ مِمَّنْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا لِحَاقٌ مِنْهُمْ بِالرَّوَافِضِ النَّاسِبِينَ إلَى أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، تَبْدِيلَ دَيْنِ الإِسْلاَمِ؛ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ يَقُولُ هَذَا؛ فَمَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ حَيْوَةُ عَنْ الأَسْوَدِ: أَنَّ بِلاَلاً كَانَ يُثَنِّي الإِقَامَةَ قلنا: نَعَمْ؛ وَأَنَسٌ رَوَى: أَنَّ بِلاَلاً أَمَرَ بِوِتْرِهَا، وَأَنَسٌ سَمِعَ أَذَانَ بِلاَلٍ بِلاَ شَكٍّ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ الأَسْوَدُ قَطُّ يُؤَذِّنُ، وَلاَ يُقِيمُ: فَصَحَّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الأَسْوَدِ: إنَّ بِلاَلاً كَانَ يُثَنِّي الإِقَامَةَ يُرِيدُ قَوْلَهُ " قَدْ قَامَتْ الصَّلاَةُ " حَتَّى يَتَّفِقَ قَوْلُهُ مَعَ رِوَايَةِ أَنَسٍ فِي ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيِّينَ: لَعَلَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا مَحْذُورَةَ أَنْ يَقُولَ " أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " إنَّمَا كَانَ لاَِجْلِ أَنَّهُ كَانَ خَفَضَ بِهِ صَوْتَهُ، لاَ لاَِنَّهُ مِنْ حُكْمِ الأَذَانِ قال علي: وهذا كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُجَرَّدٌ؛ لاَِنَّهُ عليه السلام لَوْ عَلِمَ أَنَّ هَذَا التَّرْجِيعَ لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الأَذَانِ لَنَبَّأَهُ عَلَيْهِ، وَلَمَا تَرَكَهُ أَلْبَتَّةَ يَقُولُ ذَلِكَ خَافِضًا صَوْتَهُ فِي ابْتِدَاءِ الأَذَانِ؛ فَلَيْسَ هُوَ كَلِمَةً وَاحِدَةً؛ بَلْ أَرْبَعَ قَضَايَا: الاِثْنَتَانِ مِنْهَا: سِتُّ كَلِمَاتٍ، سِتُّ كَلِمَاتٍ، وَالاِثْنَتَانِ: خَمْسُ كَلِمَاتٍ، خَمْسُ كَلِمَاتٍ. فَمِنْ الْكَذِبِ الْبَحْتِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ فِيهِ صَاحِبُهُ أَنْ يَتَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ أَنْ يَدَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا مَحْذُورَةَ يَأْتِي بِكُلِّ ذَلِكَ خَافِضَ الصَّوْتِ؛ وَلَيْسَ خَفْضُهُ مِنْ حُكْمِ الأَذَانِ؛ فَإِذَا تَرَكَهُ عَلَى الْخَطَأِ، وَلَمْ يَنْهَهُ زَادَ فِي إضْلاَلِهِ، بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِأَنْ يُعِيدَ ذَلِكَ رَافِعًا صَوْتَهُ، وَلاَ يُعْلِمُهُ أَنَّ تَكْرَارَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الأَذَانِ وَمَا نَدْرِي كَيْفَ يَنْطَلِقُ بِهَذَا لِسَانُ مُسْلِمٍ أَوْ يَنْشَرِحُ لَهُ صَدْرُهُ. فَكَيْفَ وَالآثَارُ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ جَاءَتْ مُبَيِّنَةً بِأَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ الأَذَانَ كَذَلِكَ نَصًّا؛ كَلِمَةً كَلِمَةً، تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً فَوَضَحَ كَذِبُ هَؤُلاَءِ الْقَائِلِينَ جِهَارًا وقال بعضهم: لِمَا رَأَيْنَا مَا كَانَ فِي الأَذَانِ فِي مَوْضِعَيْنِ كَانَ فِي الْمَوْضِعِ الثَّانِي عَلَى نِصْفِ مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي الْمَوْضِعِ الأَوَّلِ: أَلاَ تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ فِي أَوَّلِ الأَذَانِ " أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ " مَرَّتَيْنِ، وَيُقَالُ فِي آخِرِهِ " لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ " مَرَّةً وَكَانَ التَّكْبِيرُ مِمَّا يَتَكَرَّرُ فِي الأَذَانِ، وَكَانَ التَّكْبِيرُ فِي آخَرِ الأَذَانِ مَرَّتَيْنِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ فِي أَوَّلِ الأَذَانِ أَرْبَعًا. قَالَ عَلِيٌّ: إذَا كَانَ هَذَا الْهَوَسُ عِنْدَكُمْ حَقًّا فَإِنَّ التَّكْبِيرَ مُرَبَّعٌ فِي أَوَّلِ الأَذَانِ كَمَا تَقُولُ؛ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ " أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " مُرَبَّعًا أَيْضًا فِي التَّكْبِيرِ، وَأَنْ لاَ يُثَنَّى مِنْ الأَذَانِ إلاَّ مَا اُتُّفِقَ عَلَى أَنْ يُثَنَّى، كَمَا لاَ يُفْرَدُ مِنْهُ إلاَّ مَا اُتُّفِقَ عَلَى إفْرَادِهِ، وَهُوَ " لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ " فَقَطْ؛ فَيَكُونُ أَوَّلُ الأَذَانِ ثَلاَثَ قَضَايَا مُرَبَّعَاتٍ، ثُمَّ يَتْلُوهَا ثَلاَثُ قَضَايَا مُثَنَّيَاتٍ؛ ثُمَّ تُوتِرُ ذَلِكَ قَضِيَّةٌ سَابِعَةٌ مُفْرَدَةٌ؛ فَهَذَا هَذْرٌ أَفْلَحُ مِنْ هَذْرِكُمْ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ تَلْتَزِمُوهُ وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ، فَإِنَّهُمْ إذَا قَاسُوا الْمُسْتَحَاضَةَ عَلَى الْمُصَرَّاةِ، وَالنَّفْخَ فِي الصَّلاَةِ عَلَى فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَالْمَرْأَةَ ذَاتَ الزَّوْجِ فِي مَالِهَا عَلَى الْمَرِيضِ الْمَخُوفِ عَلَيْهِ الْمَوْتَ؛ وَفَرْجَ الْمُتَزَوِّجَةِ عَلَى يَدِ السَّارِقِ؛ وَسَائِرَ تِلْكَ الْقِيَاسَاتِ الَّتِي لاَ شَيْءَ أَسْقَطَ مِنْهَا، وَلاَ أَغَثَّ. فَهَذَانِ الْقِيَاسَانِ أَدْخَلُ فِي الْمَعْقُولِ عِنْدَ كُلِّ ذِي مَسْكَةِ عَقْلٍ؛ فَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَلْتَزِمُوهَا إنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْقِيَاسِ؛ وَإِلاَّ فَلْيَتْرُكُوا تِلْكَ الْمُقَايِسَ السَّخِيفَةَ؛ فَهُوَ أَحْظَى لَهُمْ فِي الدِّينِ وَأَدْخَلُ فِي الْمَعْقُولِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيِّينَ: لَمَّا كَانَتْ " لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ " تُقَالُ فِي آخِرِ الأَذَانِ مَرَّةً وَاحِدَةً: وَجَبَ أَنْ تَكُونَ الإِقَامَةُ كُلُّهَا كَذَلِكَ، إلاَّ مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ مِنْ التَّكْبِيرِ فِيهَا . فَقُلْنَا لَهُمْ: لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرْتُمْ حُجَّةً فِي إفْرَادِ الأَذَانِ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً فِي إفْرَادِ الإِقَامَةِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ التَّكْبِيرُ فِي الإِقَامَةِ يُثَنَّى بِاتِّفَاقٍ مِنَّا وَمِنْكُمْ: وَجَبَ أَنْ يُثَنَّى سَائِرُ الإِقَامَةِ، إلاَّ مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ، وَهُوَ التَّهْلِيلُ فِي آخِرِهَا فَقَطْ أَوْ لَمَّا كَانَ التَّكْبِيرُ فِي الإِقَامَةِ يُقَالُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الإِقَامَةِ أَيْضًا يُقَالُ مَرَّتَيْنِ؛ لِيَكُونَ فِيهَا تَرْبِيعٌ يَخْرُجُ مِنْهُ إلَى تَثْنِيَةٍ إلَى إفْرَادٍ، وَكُلُّ هَذَا هَوَسٌ؛ إنَّمَا أَوْرَدْنَاهُ لِيَرَى أَهْلُ التَّصْحِيحِ فَسَادَ الْقِيَاسِ وَبُطْلاَنَهُ. وَقَدْ صَحَّ عن ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ فِي أَذَانِهِمْ " حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ "، وَلاَ نَقُولُ بِهِ؛ لاَِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَهُ وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ يَقُولُ فِي مِثْلِ هَذَا عَنْ الصَّاحِبِ: مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ: أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذَا، فَهُوَ عَنْهُ ثَابِتٌ بِأَصَحِّ إسْنَادٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: يُقَالُ فِي الْعَتَمَةِ " الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، الصَّلاَةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ "، وَلاَ نَقُولُ بِهَذَا أَيْضًا؛ لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَلاَ يَجُوزُ تَنْكِيسُ الأَذَانِ، وَلاَ الإِقَامَةِ، وَلاَ تَقْدِيمُ مُؤَخَّرٍ مِنْهَا عَلَى مَا قَبْلَهُ؛ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَمْ يُؤَذِّنْ، وَلاَ أَقَامَ، وَلاَ صَلَّى بِأَذَانٍ، وَلاَ إقَامَةٍ قَالَ عَلِيٌّ: هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ تَنَازَعَ النَّاسُ فِيهَا: الْوُضُوءُ، وَالأَذَانُ، وَالإِقَامَةُ، وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ تَنْكِيسُ كُلِّ ذَلِكَ وقال مالك لاَ يَجُوزُ تَنْكِيسُ الأَذَانِ، وَلاَ الإِقَامَةِ، وَلاَ الطَّوَافِ وَقَالَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَشْهَرِهِمَا: يَجُوزُ تَنْكِيسُ الْوُضُوءِ وقال الشافعي: لاَ يَجُوزُ تَنْكِيسُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ: لاَ يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَ النَّاسَ الأَذَانَ، وَلَوْ لاَ ذَلِكَ مَا تَكَهَّنُوهُمَا، وَلاَ ابْتَدَعُوهُمَا. فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَإِنَّمَا عَلَّمَهُمَا عليه السلام مُرَتَّبَيْنِ كَمَا هُمَا؛ أَوَّلاً فَأَوَّلاً، يَأْمُرُ الَّذِي يُعَلِّمُهُ بِأَنْ يَقُولَ مَا يُلَقِّنُهُ، ثُمَّ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ الْقَوْلِ، إلَى انْقِضَائِهِمَا. فَإِذْ هَذَا كَذَلِكَ فَلاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ مُخَالَفَةُ أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَقْدِيمِ مَا أَخَّرَ أَوْ تَأْخِيرِ مَا قَدَّمَ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فَإِنْ كَانَ بَرْدٌ شَدِيدٌ أَوْ مَطَرُ رَشٍّ فَصَاعِدًا؛ فَيَجِبُ أَنْ يَزِيدَ الْمُؤَذِّنُ فِي أَذَانِهِ بَعْدَ " حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ " أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ " أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ ". وَهَذَا الْحُكْمُ وَاحِدٌ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ: حدثنا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عن ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ أَذَّنَ بِضَجِنَانَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَقَالَ " صَلُّوا فِي الرِّحَالِ ". ثُمَّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ مُنَادِيَهُ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ أَوْ ذَاتِ الرِّيحِ أَنْ يَقُولَ: صَلُّوا فِي الرِّحَالِ. حدثنا حمام، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا ابْنُ أَيْمَنَ، حدثنا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ، حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ، وَعَبْدِ الْحَمِيدِ صَاحِبِ الزِّيَادِيِّ، كُلِّهِمْ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ ذِي رَدْغٍ فَلَمَّا بَلَغَ الْمُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ أَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ فَنَظَرَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ. فَقَالَ لَهُمْ: كَأَنَّكُمْ أَنْكَرْتُمْ هَذَا قَدْ فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، وَإِنَّهَا لَعَزِيمَةٌ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا.
وَالْكَلاَمُ جَائِزٌ بَيْنَ الإِقَامَةِ وَالصَّلاَةِ طَالَ الْكَلاَمُ أَوْ قَصُرَ، وَلاَ تُعَادُ الإِقَامَةُ لِذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الْهَمْدَانِيُّ، حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَلْخِيُّ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، هُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِي رَجُلاً فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، فَمَا قَامَ إلَى الصَّلاَةِ حَتَّى نَامَ النَّاسُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا إقَامَةَ الْمُسْلِمِينَ لِلصَّلاَةِ، وَتَذَكُّرَهُ عليه السلام أَنَّهُ جُنُبٌ، وَرُجُوعَهُ وَاغْتِسَالَهُ، ثُمَّ مَجِيئَهُ وَصَلاَتَهُ بِالنَّاسِ. وَلاَ دَلِيلَ يُوجِبُ إعَادَةَ الإِقَامَةِ أَصْلاً، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الأَئِمَّةِ: فِي أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ بَيْنَ الإِقَامَةِ وَالصَّلاَةِ، أَوْ أَحْدَثَ؛ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ، وَلاَ تُعَادُ الإِقَامَةُ لِذَلِكَ وَيُكَلَّفُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْعَمَلِ وَكَثِيرِهِ، وَقَلِيلِ الْكَلاَمِ وَكَثِيرِهِ: أَنْ يَأْتِيَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ بِدَلِيلٍ، ثُمَّ عَلَى حَدِّ الْقَلِيلِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْكَثِيرِ، وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَى ذَلِكَ أَصْلاً، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
|